
السفير 24 – الدنمارك :حيمري البشير
هذا الواقع الجديد الذي أصبحنا نعيشه، وإهمال حكومات بلادنا، يفرض علينا أن نفكر في مستقبل أولادنا في البلدان التي أعطتنا حقوقنا الكاملة وغير الناقصة، ونعمل على الاندماج بل والانصهار في المجتمعات التي نعيش فيها.
كما نجتهد في سلوكنا اليومي لكي نساهم في النقاش الدائر في المجتمع، وندافع بحكمة عن التنوع الذي يتميز به المجتمع الدنماركي وباقي المجتمعات الأوروبية.
إننا مضطرون لتقديم صورة متميزة عن الإسلام كدين، لكي نكون جزءًا من المجتمع الذي نعيش فيه، وأقلية حريصة على الحفاظ على التعايش والتسامح، والرغبة في قبول الآخر الذي نختلف معه في اللغة والدين والعادات والتقاليد. وفي الوقت ذاته، نشكل رافدًا يغني التنوع الثقافي الذي يعزز الثقافة الدنماركية.
إن اختيارنا العيش في المجتمع الدنماركي بإرادتنا، وسعادتنا الغامرة التي نحس بها ونعبر عنها دوماً بسلوكياتنا الإيجابية تجاه أي فرد في المجتمع الدنماركي، يفرض علينا كجالية مسلمة تنتمي لأقطار متعددة أن نجعل الدنمارك وطننا الأصلي، وأن نحرص على أن يكون الولاء لهذا الوطن الذي وفر لنا كل شيء وضمن المستقبل لأبنائنا من خلال توفير كل الاحتياجات لهم منذ النشأة وحتى إنهاء دراستهم، ليكونوا في خدمة المجتمع الدنماركي.
إن انتشار الحجاب في المجتمع الدنماركي وباقي المجتمعات الأوروبية يعتبر جزءًا من التنوع الثقافي الإيجابي، الذي يثري المجتمع ويعكس قيم التعددية والتسامح.
إننا نعيش تحولات نراها إيجابية، بينما يراها التيار العنصري سلبية في هذه المجتمعات، وهم بذلك يهددون الاستقرار برفضهم لهذا التنوع الثقافي الذي أصبح طابعًا مألوفًا في جل المجتمعات الأوروبية. هم ينظرون إليه سلبًا، ونحن نعتبره إغناءً للثقافة الدنماركية أو الأوروبية بصفة عامة. ورغم أنهم يدافعون بشراسة عن قيم التعايش والمساواة، فإنهم غالبًا لا يحترمون الأسس السمحة التي تغني بها مجتمعاتهم.
في اعتقادي، نحن نواجه تحديات كبرى في جل المجتمعات الأوروبية، وعلينا أن نكون متزنين في تعاملنا وسلوكنا اليومي مع مختلف طبقات المجتمع، ونحرص على تفادي الدخول في نقاشات مع التيارات العنصرية، التي تحاول قطع الطريق أمام عملية اندماجنا السلس في هذه المجتمعات، والتي لا تتحقق إلا من خلال المشاركة السياسية الفعّالة.
إن معركتنا في المستقبل يجب أن تتركز على تحقيق المشاركة السياسية في المجتمعات التي نعيش فيها، وتمهيد الطريق لغد مشرق لأبنائنا، وتشجيعهم على النجاح في دراستهم، والتفكير الجاد في بناء المجتمع الذي يعيشون فيه، لأن هذا المجتمع هو الضامن لمستقبلهم.
لقد أصبحت قناعتنا واقعية تمامًا: مستقبلنا ومصيرنا مرتبط بالمجتمعات التي نعيش فيها وليس بالبلدان التي ولدنا فيها ونقضي فيها عطلاتنا، كمواطنين يتمتعون بحقوق مذكورة في الدستور المغربي لكنها بقيت معلقة منذ سنوات طويلة. علاقتنا بالبلد الأصلي اتسمت بالتسويف في تحقيق الآمال والتطلعات، ونحن بصراحة لم نعد نثق في الحكومة الحالية، التي سار على نهجها سابقوها في تغييب المشاركة السياسية لمغاربة العالم لأسباب مجهولة.
إن تحقيق طموح مغاربة العالم في المشاركة السياسية وتدبير ملف الهجرة بالطرق التي نريدها أصبح معلقًا مرة أخرى لغياب الإرادة السياسية، والتي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على جميع الأحزاب السياسية، سواء الموجودة في الحكومة أو المعارضة. كما أن غياب خطاب سياسي واضح يسعى لتفعيل الفصول الدستورية المتعلقة بمغاربة العالم ما زال قائمًا للأسف.
وبالتالي، آن الأوان لنقطع بين الشك واليقين، ونصطف في صف واحد نحن الذين اخترنا العيش في الهجرة، وحرصنا على دعم الاقتصاد الوطني رغبة منا في المساهمة بدورنا في بناء مجتمع تسوده العدالة وتعزز فيه قيم الديمقراطية، التي ما زالت للأسف محدودة في بلادنا.
ونطرح تساؤلًا مشروعًا: لماذا تستمر الأحزاب في معارضتنا؟ فهي بذلك تجتمع على إقصائنا وعدم الالتزام بالفصول الدستورية الواضحة، مما يدفعنا إلى إعادة النظر في مواقفنا المستقبلية، لأن استمرار الإقصاء يعني تعزيز التشبث ببلدان الإقامة التي ضمنت لنا حقوقنا كاملة.
هذه الحقيقة المؤلمة تدعونا إلى قبول واقع الدولة المغربية التي لم تفعل فصولها وقوانينها منذ سنوات، دون تبريرات مقنعة. هذا الموقف السلبي سيكون له تأثيرات سلبية على علاقة مغاربة العالم، والأجيال المزدادة في المهجر، ببلدهم وبلد أجدادهم. إنها رسالة وموقف عبرت عنه بكل جرأة وشفافية وبكل ألم.



