
السفير 24
لم تعد مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين بجامعة محمد الأول بوجدة، كما كان يفترض، استحقاقات أكاديمية قائمة على التنافس العلمي وتكافؤ الفرص، بل أضحت، وفق ما يتداوله عدد من الأساتذة والباحثين، مجرد آليات شكلية تُستعمل لإضفاء الشرعية الإدارية على قرارات يُشتبه في كونها محسومة سلفًا، في ضرب واضح لجوهر الاستحقاق الجامعي.
وحسب مصادر “السفير 24”، فإن آخر هذه الوقائع المثيرة للجدل تفجرت عقب الإعلان عن نتائج مباراة توظيف أُجريت بكلية العلوم بالناظور، والتي انتهت بفوز شخص يُتداول أنه يشغل مهمة الكاتب العام لكلية الطب والصيدلة بوجدة بمنصب أستاذ محاضر، في واقعة صادمة أعادت إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول معايير الانتقاء المعتمدة داخل الجامعة.
وفي هذا السياق، يتساءل متابعون للشأن الجامعي، كيف يُمنح منصب أكاديمي لشخص يُروَّج على نطاق واسع أنه لا يتوفر على أي مقال علمي منشور في مجلة محكمة؟ وأي رسالة تُوجَّه إلى مئات الباحثين الشباب الذين قضوا سنوات في البحث العلمي والنشر والتحكيم، إذا كان النفوذ الإداري كفيلًا بتجاوز شرط الإنتاج العلمي؟ ثم أي جامعة هذه التي يُهمَّش فيها العمل الأكاديمي ويُكافأ فيها القرب من دوائر القرار؟
الأخطر من ذلك، أن اسم المعني بالأمر لم يكن مفاجئًا داخل الكواليس الجامعية، بل ظل يُتداول منذ مدة باعتباره “مرشحًا مضمونًا”، قبل أن تنتهي المباراة، كما كان متوقعًا، بفوزه بالمنصب، وهو ما يعزز الانطباع بأن المباراة لم تكن سوى محطة شكلية لإخراج قرار جاهز، ويفتح الباب واسعًا أمام شبهة استغلال النفوذ وتضارب المصالح داخل المؤسسة الجامعية.
غير أن الجدل لم يتوقف عند هذا الحد، إذ زاد من حدة الشكوك إعلان نتائج المباراة دون نشر أي لائحة انتظار، في سابقة غير مألوفة إداريًا، ومخالفة لمنطق الاحتراز الذي يؤطر مباريات التوظيف العمومي، خاصة أن مساطر تغيير الإطار قد تتعثر لأسباب قانونية أو إدارية، وهو ما يجعل اعتماد لوائح الانتظار إجراءً معمولًا به لتفادي تعطيل المناصب.
وأمام هذا المعطى، يطرح المتابعون تساؤلات مشروعة، لماذا جرى إفراغ المباراة من أي لائحة احتياطية؟ وهل كان الهدف هو إغلاق كل المنافذ الإدارية حتى لا ينتقل المنصب إلى أي اسم آخر، مهما كانت المستجدات أو الطعون المحتملة؟
وفي ضوء هذه المعطيات، يصعب اعتبار غياب لائحة الانتظار مجرد خطأ تقني أو صدفة عابرة، بل يُقرأ، في سياق النتيجة المعلنة، كمؤشر إضافي على أن المباراة كانت مُهندسة بعناية، ومحسومة النتائج، ومحصنة ضد أي مفاجآت غير مرغوب فيها، في حال وقوع طعن أو إشكال مسطري.
إن ما يجري داخل بعض مؤسسات جامعة محمد الأول لا يمكن اختزاله في خلل عابر، بل يعكس، بحسب عدد من الفاعلين، تخريبًا ممنهجًا لقيم الجامعة العمومية، وضربًا مباشرًا لمبدأ الاستحقاق، وإهانة صريحة لكل من لا يملك سندًا إداريًا أو شبكة علاقات نافذة.
كما أن استمرار إسناد مسؤولية تكوين الطلبة إلى أشخاص يُشكك في توفرهم على الشروط العلمية والبيداغوجية اللازمة يُعد، في نظر كثيرين، جريمة أخلاقية ومؤسساتية، تقوّض الثقة في الجامعة العمومية، وتدفع بالكفاءات الحقيقية إلى الهجرة أو العزوف، وتحوّل التعليم العالي إلى مجال لتقاسم الامتيازات بدل إنتاج المعرفة.
وأمام هذا العبث، لم يعد الصمت خيارًا، بل بات الواجب يفرض فتح تحقيق مستقل وشفاف في ظروف ونتائج هذه المباراة، ونشر محاضر لجان الانتقاء ومعايير التنقيط، والتدقيق في السيرة العلمية الفعلية للمترشح الفائز، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل الجامعة العمومية.
هذا، ويرى متابعون أن ما يحدث داخل جامعة محمد الأول لم يعد اختلالات معزولة، بل أصبح نمط تدبير فاسدًا وممنهجًا تتحمل مسؤوليته رئاسة الجامعة وهياكلها المسيرة، لأن تحويل مباريات التوظيف إلى واجهات شكلية وإقصاء الاستحقاق العلمي لصالح النفوذ لا يُعد خطأ إداريًا، بل انهيارًا أخلاقيًا ومؤسساتيًا يمس جوهر الجامعة العمومية.
وتزداد خطورة الوضع، وفق مصادر متطابقة، مع تأكيد توجيه عدة مراسلات وشكايات إلى عز الدين ميداوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بشأن هذه الاختلالات، دون تسجيل أي تفاعل يُذكر إلى حدود الساعة، وهو صمت يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية آليات التبليغ، وحول مدى استعداد الوزارة الوصية للتصدي لما بات يُوصف، على نطاق واسع، بالفساد الجامعي المنظم.



