
السفير 24 – جمال اشبابي – باريس
قبل أسابيع قليلة من انطلاق كأس الأمم الإفريقية، تجد منتخبات القارة نفسها أمام قرار جديد يعيد طرح مسألة اختلال العلاقة بينها وبين مراكز النفوذ في كرة القدم العالمية. فقد أعلنت الفيفا، وفق تقارير إعلامية أوروبية متطابقة، تأخير موعد التحاق اللاعبين الأفارقة بمنتخباتهم إلى الخامس عشر من دجنبر، أي ستة أيام فقط قبل المباراة الافتتاحية المقررة في الحادي والعشرين منه. قرار كهذا لا يمكن اعتباره مجرد تعديل تقني، بل مؤشرا على خلل مزمن في كيفية توزيع السلطة داخل المنظومة الكروية.
الأندية الأوروبية كانت أول المستفيدين. عدد منها سيواصل الاعتماد على لاعبيه الأفارقة حتى منتصف الشهر، والمدهش، أن أندية إنجليزية وفرنسية ستحافظ على لاعبيها الأساسيين خلال سلسلة المباريات المكثفة لشهر دجنبر. ومن منظور هذه الأندية، يبدو القرار “منطقيا” لأنه يحافظ على مصالحها الرياضية والاقتصادية.
أما على مستوى المنتخبات الإفريقية، فقد جاء القرار ليربك برامج التحضير المخططة منذ أشهر. وهو لا محالة ما سيجبر بعضها على إعادة ترتيب حساباتها الفنية في ٱخر لحظة. منتخبات أخرى ربما ستواجه اضطرابات مماثلة، بعدما أصبح وصول اللاعبين المحترفين في أوروبا قبل البطولة بأيام قليلة فقط واقعا مفروضا.
القضية، في جوهرها، لا تتعلق بمجرد أسبوع مفقود من التحضير، بل بنمط عام يضع احتياجات الدوريات الأوروبية في مركز الخريطة الكروية، بينما تترك البطولات الإفريقية لتتكيّف مع ما يفرض عليها. فالنسخة الحالية من البطولة كانت قد تأجلت أصلا لتجنب التعارض مع كأس العالم للأندية. هذا التأجيل يعكس بوضوح التفاوت في وزن القرارات بين القارات، وبين منافسة إفريقية وأخرى تجرى في قارة أوروبا أو أمريكا.
وبينما تعتمد الفيفا على القوانين لتبرير قرارها، فإن الممارسة العملية تظهر أن تطبيق هذه القوانين ليس متساويا. فعندما تتضرر مصالح الأندية الأوروبية، تتحرك المؤسسة بسرعة لاحتواء الضرر؛ لكن حين يتعلق الأمر بالمنتخبات الإفريقية، يصبح المطلوب هو “المرونة” و”التكيف”. هذا الوضع الذي يعيشه العالم الكروي الإفريقي يدفع لطرح سؤال منطقي: هل تستهتر الفيفا ببطولة قارية كبرى؟
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح اليوم هو: كيف يمكن لمنتخب ينافس على لقب أن يبني انسجاما تكتيكيا وتوازنا بدنيا خلال ستة أيام؟ وكيف يمكن للجهاز الفني أن يختبر خياراته أو يكتشف الحلول المناسبة في فترة لا تكفي إلا لبضع حصص تدريبية؟ الإجابة واضحة: لا يمكن. وهذا وحده يجعل القرار مساسا جوهريا بمبدأ العدالة الرياضية.
إن احترام إفريقيا ومنافساتها الرياضية يبدأ باحترام بطولاتها، لا باعتبارها مساحة قابلة للتعديل حين تقتضي مصالح الآخرين ذلك. وإذا لم تقابل هذه القرارات بموقف إفريقي موحد داخل الفيفا، فستظل القارة رهينة أجندات تصاغ في أماكن لا تشعر بثقل تأثيرها على المنتخبات الإفريقية ولا على صورتها في المشهد الدولي.



