
السفير 24 – جمال اشبابي – باريس
لم تكن ليلة الجمعة إلى السبت في باريس كغيرها. فحوالي الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، تحولت ضفاف نهر السين المحاذية لبرج إيفل إلى مشهد من الألوان والدخان والأهازيج. مئات من أنصار نادي الوداد الرياضي البيضاوي، أطلقوا عشرات الشماريخ والألعاب النارية احتفالا بمرور عشرين سنة على تأسيس مجموعات الألتراس الودادية، في مشهد نادر بقلب العاصمة الفرنسية. لكن خلف جمال الصورة وحرارة الانتماء، طرحت تساؤلات أمنية جدية في باريس، مدينة ما زالت تعيش تحت ضغط الإجراءات الصارمة بعد سلسلة من الأحداث العنيفة في الملاعب الأوروبية.
وقد أكد بعض سكان المنطقة أن المشهد كان مفاجئا بكل المقاييس قرب برج إيفل، إذ فوجئوا بأصوات المفرقعات وأضواء حمراء كثيفة تملأ السماء، قبل أن يدركوا أن الأمر يتعلق باحتفال منظم لأنصار الوداد، وليس مظاهرة أو تصوير سينمائي، بل احتفال رياضي مليء بالحماس والاحترام.
بحسب مقاطع فيديو تم التحقق منها من قبل عدة وسائل إعلام فرنسية، فإن التجمع بدأ في هدوء قبل أن يتحول إلى لحظات مكثفة من الألوان والدخان الأحمر الذي غطى السماء قرب برج إيفل. المشاركون الذين ارتدوا ألوان الوداد الحمراء الشهيرة انتشروا على ضفتي نهر السين، من جسر ميرابو إلى جسر غرنيل، في عملية بدت وكأنها منسقة بعناية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. مصادر الشرطة في الدائرة الخامسة عشرة بباريس أكدت أن العملية لم تسفر عن أي حوادث أو توقيفات، وأن المشهد انتهى في ظرف عدة دقائق فقط قبل أن يغادر المشاركون المكان بشكل منظم.
احتفال الوداديين في باريس لا يمكن قراءته فقط كحدث رياضي، بل كرمز ثقافي يعكس قوة الارتباط بين الجالية المغربية في أوروبا ووطنها. فرغم بعد المسافة، ما زالت كرة القدم تمثل جسرا عاطفيا عميقا يربط المغاربة بمغربهم، حيث تتحول كل مناسبة رياضية إلى طقس جماعي يتجاوز حدود الرياضة إلى تعبير عن الهوية والانتماء.
رغم أن السلطات الفرنسية لم تسجل أي تجاوزات، إلا أن الاحتفال غير المعلن مسبقا أعاد النقاش حول إدارة التجمعات المفاجئة في فضاءات حساسة كمنطقة برج إيفل. نقابة الشرطة في باريس علقت في تصريح مقتضب أن “الحدث كان منظما بدقة مقلقة، لكنه بقي سلميا”. بينما رأى آخرون أن هذه التظاهرة العفوية تظهر جانبا إيجابيا من التعايش الثقافي في العاصمة، إذ استطاع المئات من الشباب المغاربة أن يحتفلوا بشكل منضبط، دون فوضى أو عنف، على عكس الصور النمطية التي كثيرا ما ترافق تجمعات رياضية في أوروبا.
هكذا، أضاء الوداديون ليل باريس بألوانهم، كما لو أنهم أعادوا قطعة من الدار البيضاء إلى قلب العاصمة الفرنسية. حدث قد يبدو بسيطا في ظاهره، لكنه يكشف عن قوة الرموز الرياضية في تشكيل هوية جماعية عابرة للحدود، وعن قدرة المغاربة في المهجر على تحويل الحنين إلى طاقة احتفال إيجابية، دون أن يغيب السؤال الأمني الذي يرافق كل تجمع غير مرخص في مدينة يسكنها الحذر.



