في الواجهةكتاب السفير

مغاربة فرنسا يجددون قسم المسيرة الخضراء ويحولون الذاكرة إلى وعي ومسؤولية

مغاربة فرنسا يجددون قسم المسيرة الخضراء ويحولون الذاكرة إلى وعي ومسؤولية

le patrice

السفير 24 – جمال اشبابي – باريس 

قبل خمسين عاما، خرج مئات الآلاف من المغاربة في مسيرة سلمية نحو الجنوب، لا يحملون السلاح بل الإيمان، ولا يرفعون شعار الحرب بل راية الوطن. كانت المسيرة الخضراء لحظة نادرة في التاريخ حين انتصرت الحكمة على القوة، والرمز على الصراع. ومنذ ذلك اليوم، لم تبق المسيرة حدثًا عابرا في الذاكرة، بل تحولت إلى أسلوب حياة ودبلوماسية واقعية ترسم ملامح المغرب الحديث.
اليوم، وبعد مرور نصف قرن، تنتقل تلك الروح من رمال الصحراء إلى شوارع أوروبا. في فرنسا، تحديدا، حيث يعيش جيل جديد من أبناء الجالية المغربية، يكتشف الشباب معنى جديدا للمواطنة والانتماء. لم تعد المسيرة بالنسبة إليهم مجرد ذكرى وطنية ترفع فيها الأعلام، بل رمزا للمسؤولية والالتزام تجاه وطن يعيش فيهم أينما كانوا. إنهم لا يكتفون بالحنين، بل يسعون لترجمة حبهم للمغرب إلى حضور فاعل ودفاع راق عن صورته وقضاياه العادلة.
وفي هذا الإطار، تحتضن القنصلة العامة للمملكة المغربية في مانت لا جولي يوم السبت 8 نونبر 2025 احتفالية كبيرة بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء. الحدث، الذي سيقام في قاعة المعارض (Michel Sevin)، سيكون أكثر من مجرد مهرجان فني، بل لحظة التقاء بين الذاكرة والهوية، بين الأصالة المغربية وعمق الانتماء الوطني في قلب فرنسا.
وينظم هذا الاحتفال تحت إشراف القنصلية العامة للمملكة المغربية بمانت لا جولي وبتعاون وثيق مع مجموع الجمعيات الثقافية بمناطق 78، و27، و76، في نموذج جميل للتنسيق بين المؤسسات الرسمية والنسيج الجمعوي المغربي النشيط في فرنسا، بما يعكس روح المشاركة والوحدة التي تميز أبناء الجالية.
ستحيي الحفل النجمة الكبيرة سطاتية بصوتها الشعبي الأصيل، إلى جانب الفنان الأمازيغي حسن أرسموك، ومصطفى البركاني سفير فن الركادة بأوروبا وٱخرون، في لقاء فني يجسد وحدة المغرب بتعدده، حيث تمتزج نغمة الأطلس مع إيقاع الشاوية، وكلمات وإيقاع الركادة في مشهد عنوانه: “من الاختلاف نصنع الانسجام”.
لكن خلف الموسيقى والأغاني، هناك رسالة سياسية ووطنية عميقة: فالمغاربة في فرنسا، وهم يحتفلون بحدث وطني مؤسس، يؤكدون أن الانتماء لا يقاس بالجغرافيا، بل بالإيمان بالمستقبل. إنهم جيل واثق، لا يعيش على أمجاد الماضي، بل يواصل المسيرة بوسائل جديدة: في الجمعيات، والجامعات، والإعلام، والدبلوماسية الموازية.
فالمسيرة اليوم لم تعد في الصحراء، بل في العقول والمبادرات. إنها مسيرة من نوع آخر، دبلوماسية الواقع التي يجسدها المغرب في إفريقيا وأوروبا، بأفعاله لا بأقواله، وبقدرته على الجمع بين الأصالة والتجديد.
وبينما سترفع الجالية المغربية في فرنسا الرايات الحمراء والخضراء في قاعة الاحتفال، تدرك أن القسم الذي ردده أجدادهم عام 1975 لا يزال حيا: قسم الإخلاص للوطن، والإيمان بوحدته، والمضي في بناء مغرب المستقبل.
خمسون سنة مرت، لكن المسيرة لم تتوقف… فقد غادرت رمال الصحراء لتسكن القلوب والعقول.

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى