
السفير 24 – عبد الله مشنون
تشهد الساحة الدولية حراكًا مكثفًا تقوده الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي أعلن أن نشر قوة دولية لحفظ الاستقرار في قطاع غزة “سيتم في وقت قريب جدًا”، في إشارة إلى مرحلة جديدة من الانخراط الأميركي المباشر في الملف الفلسطيني بعد أسابيع من الهدوء الهش الذي أعقب وقف إطلاق النار الأخير.
وجاء تصريح ترامب خلال لقائه في البيت الأبيض مع قادة من آسيا الوسطى، حيث أكد أن “الوضع في غزة يسير في الاتجاه الصحيح”، مشيرًا إلى أن الترتيبات الجارية تمضي وفق خطة السلام التي أطلقتها واشنطن مؤخرًا، في ظل دعم متزايد من شركاء إقليميين ودوليين.
بحسب البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، طرحت الولايات المتحدة مشروع قرار جديدًا أمام مجلس الأمن الدولي يهدف إلى إقرار خطة ترامب للسلام وتفعيل “مجلس الاستقرار” الذي سيتولى الإشراف على الحكومة الانتقالية في غزة.
ويُنتظر أن يمنح القرار الضوء الأخضر لتشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات تُعرف باسم “قوة الاستقرار”، مؤلفة من دول عربية وإسلامية وآسيوية أبدت استعدادها للمشاركة، شرط الحصول على تفويض رسمي من الأمم المتحدة.
وأشار المتحدث باسم البعثة إلى أن السفير مايك والتز عقد اجتماعًا موسعًا مع أعضاء المجلس المنتخبين وعدد من الدول الإقليمية مثل مصر وقطر والإمارات والسعودية وتركيا، معتبرًا أن هذا التنسيق يعكس “إجماعًا إقليميًا نادرًا” حول رؤية ترامب الجديدة للمنطقة.
ورغم أن الخطة تحظى بدعم مبدئي من أطراف متعددة، فإن إسرائيل ما زالت تتحفظ على مشاركة القوات التركية ضمن التشكيل الدولي، ما يشير إلى استمرار الخلافات التكتيكية حول تفاصيل الانتشار الميداني.
لم يقتصر حديث ترامب على غزة، إذ وجّه أيضًا إشارة لافتة نحو إيران، مؤكدًا أن طهران طلبت رفع العقوبات المفروضة عليها، وأنه “منفتح على مناقشة الأمر”.
وأوضح الرئيس الأميركي أن العقوبات التي فرضتها بلاده جعلت الأوضاع الاقتصادية في إيران “شديدة الصعوبة”، لكنه أبدى استعدادًا “لسماع المقترحات ومناقشة الحلول الممكنة”.
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب أشهر من التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، لا سيما بعد الهجمات المتبادلة في يونيو/حزيران التي استهدفت مواقع عسكرية ونووية داخل إيران بمشاركة محدودة للقوات الأميركية إلى جانب إسرائيل، وهو ما تسبب في تجميد المفاوضات النووية مجددًا.
يرى مراقبون أن تصريحات ترامب تمهّد لعودة محتملة إلى طاولة التفاوض، خصوصًا بعد أن فعّلت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا آلية “الزناد” التي أعادت فرض العقوبات الأممية على إيران في سبتمبر الماضي.
وفي المقابل، دعت سلطنة عمان، التي أدت سابقًا دور الوسيط بين الجانبين، إلى تهدئة الأجواء وإعادة إحياء المسار الدبلوماسي.
وأكد ترامب أن إيران “لم تعد تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي”، مشددًا على أن الضربات الأخيرة “قوّضت بشكل كبير” برنامجها النووي، وإن كان حجم الأضرار الكامل لم يُكشف بعد.
تحركات واشنطن في ملفي غزة وطهران تعكس رؤية ترامب الطامحة إلى إعادة رسم توازنات المنطقة عبر أدوات “الاستقرار المشروط”، التي تدمج بين الحلول الأمنية والسياسية.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى تثبيت التهدئة في غزة عبر “قوة الاستقرار الدولية”، تفتح قنوات دبلوماسية موازية مع طهران لتفادي انفجار جبهة جديدة في الشرق الأوسط.
وبين طموح ترامب في تحقيق “سلام واقعي” واستمرار التوترات الإقليمية، تبقى الأنظار معلّقة على مجلس الأمن، الذي سيحدد قراره المقبل ملامح المرحلة القادمة — إما بداية مرحلة استقرار نسبي في غزة، أو عودة جديدة إلى دوامة التعقيد السياسي والعسكري في المنطقة.
كاتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا*



