في الواجهةمجتمع

توقيف رئيس جماعة برشيد يفتح النقاش حول انتقائية تطبيق القانون بين المحلي والمركزي

توقيف رئيس جماعة برشيد يفتح النقاش حول انتقائية تطبيق القانون بين المحلي والمركزي

le patrice

السفير 24

أثار قرار عامل إقليم برشيد، جمال خلوق، بتوقيف رئيس المجلس الجماعي لبرشيد، طارق القادري، موجةً من التساؤلات حول عدالة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بعد أن بُرّر القرار بمخالفة تتعلق بكراء محل تجاري تابع للجماعة بمبلغ 300 درهم شهريًا، اعتُبر غير متناسب مع القيمة السوقية للمحل.

غير أن هذه الواقعة البسيطة من حيث الأثر المالي تطرح مفارقة عميقة في المشهد العمومي المغربي: لماذا تتحرك المسطرة بسرعة في قضايا محلية محدودة، بينما تمرّ صفقات كبرى دون مساءلة علنية؟

ففي الوقت الذي تم فيه توقيف القادري على أساس شبهة “سوء تدبير أصل جماعي”، تُطرح تساؤلات مشروعة حول صفقة تحلية مياه البحر، التي تبلغ كلفتها حوالي 500 مليار سنتيم، والتي فازت بها شركتان تابعتان لمجموعة اقتصادية يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وفق معطيات منشورة في وسائل إعلام وطنية ودولية.

فأين تقف مؤسسات الرقابة المالية والإدارية في هذه الحالة؟ ولماذا لا يُفتح نقاش برلماني أو رقابي معمق حول الشروط، ومعايير التنافسية، ومدى احترام قواعد تضارب المصالح المنصوص عليها في التشريع المغربي؟

من الناحية المبدئية، إن توقيف رئيس جماعة بسبب صفقة جزئية محدودة من حيث القيمة لا يُعتبر مشكلا بحد ذاته إذا تم في إطار القانون، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في غياب التوازن في تطبيق نفس القواعد على مختلف مستويات المسؤولية.

فالقانون، كما نص عليه الفصل الأول من دستور المملكة، يُلزم الجميع دون استثناء، ويربط بين المسؤولية والمحاسبة على نحو متكافئ، بغضّ النظر عن موقع الشخص أو درجته في سلم السلطة.

ويعتبر متتبعون للشأن المحلي أن طارق القادري، بصفته رئيسًا لجماعة ترابية، قد خضع لتأويل إداري صارم في قضية محدودة، في حين أن المشاريع الكبرى التي تتجاوز مئات المليارات لم تُعرض بعد على الرأي العام بنفس الشفافية أو التدقيق المالي، رغم ما تثيره من رهانات اقتصادية واستراتيجية على المدى البعيد.

ويضيف آخرون أن توقيف منتخب محلي بسبب جزئية مالية بسيطة في ظل وجود ملفات وطنية ضخمة لم تُفتح بعد، يُضعف ثقة المواطن في حياد المسطرة الإدارية ويُعطي الانطباع بوجود انتقائية في المحاسبة.

من منظور أكاديمي، تفرض العدالة المؤسساتية أن تكون المساءلة شاملة وغير انتقائية، لأن جوهر الحكامة الرشيدة يقوم على المساواة أمام القانون، لا على تفاوت درجات الرقابة تبعًا للموقع السياسي أو الاقتصادي.

فالدفاع عن دولة المؤسسات لا يعني حماية الأشخاص، بل الدفاع عن مبدأ المساواة في تطبيق القانون حتى لا يتحول إلى أداة انتقائية تضعف قيمته الأخلاقية والدستورية.

إن ما جرى في برشيد ليس مجرد إجراء إداري، بل مرآة لمدى نضج التجربة الرقابية في المغرب. فإذا كان القانون قد طُبّق بحزم في قضية القادري، فإن نفس الحزم يجب أن يُوجَّه — وبالقدر نفسه — نحو المشاريع الكبرى التي تهم المال العام الوطني، تحقيقًا للعدالة المؤسساتية التي تشكّل جوهر دستور 2011 وروح دولة الحق والقانون.

 

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى