
السفير 24 – اسماعيل الحلوتي
من المستفيد من تفجير الأوضاع بالمغرب؟!
لا أحد يستطيع اليوم أن ينكر بأن معظم المغاربة استبشروا خيرا بظهور حركة “جيل Z” الشبابية، في وقت تراجعت فيه ثقتهم في النقابات والأحزاب السياسية التي لم تعد قادرة على الترافع عن قضاياهم والدفاع عن مطالبهم، وأصبحوا يعيشون حالة من الشعور بالتذمر والإحباط بسبب غلاء الأسعار وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وما ترتب عن ذلك من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فضلا عن استشراء الفساد وفشل الحكومة في تحسين ظروف العيش والنهوض بالأوضاع…
وليست حركة “جيل Z” سوى مجموعة من الشباب المغاربة المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و28 سنة من غير المنتمين لأي تيار سياسي، قررت مباشرة بعد احتجاجات ساكنة أكادير على تردي الوضع الصحي بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني، الذي شهد خلال شهر واحد وفاة ست نساء بقسم الولادة، أن تنقل نشاطها من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشارع، وذلك عبر الإعلان عن خوض احتجاجات سلمية بعدة مدن يومي السبت والأحد 27/28 شتنبر 2025، للمطالبة بتحسين الخدمات الاجتماعية في قطاعي الصحة والتعليم و”إسقاط الفساد”، توفير مناصب شغل للمعطلين واستقلال القضاء…
وهو ما جعل عديد فعاليات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والنخب السياسية وغيرها، أن تسارع إلى إبداء تعاطفها مع هذه الحركة الشبابية (جيل Z) وتأكيد تفاعلها الإيجابي مع مطالبها الاجتماعية المشروعة، والتي هي في ذات الوقت مطالب كافة المغاربة، وقد شدد الكثير من المراقبين والخبراء على ضرورة استجابة الحكومة لهذه المطالب، من خلال الشروع الفوري في القيام بإصلاحات واقعية ومستدامة، خاصة أن هذا التظاهر الحضاري يعكس حاجة المغرب إلى إرادة سياسية حقيقية في إصلاح منظومتي الصحة والتعليم، وابتكار حلول ملائمة لمعضلة البطالة التي تفاقمت في السنتين الأخيرتين وبلغت معدلات قياسية وغير مسبوقة، إضافة إلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم إفلات المفسدين من العقاب، كيفما كانت مراكزهم ومناصبهم.
بيد أنه سرعان ما تحول حلم المواطنين بالتغيير والإصلاح إلى كابوس مؤرق، لا يقض فقط مضاجع كبار المسؤولين الحكوميين، بل آلاف الأسر المغربية كذلك، حيث أنه لم يكن حتى أكبر المتشائمين يتوقع أن تبتعد الاحتجاجات عن أهدافها وتخرج عن السيطرة، إذ لم تلبث شوارع بعض المدن الصغيرة أن عرفت تصعيدا خطيرا وتحولت إلى ساحات حرب، بفعل حدوث اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن منذ اليوم الثاني من انطلاق الحراك الشعبي، بعد أن تدخلت خلسة وفي غفلة من الجميع أياد خفية سواء من داخل المتظاهرين أو من بعيد خلف ستار شاشات الهواتف المحمولة والحواسيب للتحريض على القيام بأعمال عنف وتخريب المباني والمؤسسات. والأخطر من ذلك هو أنه تم استغلال أطفال قاصرين في التصعيد، من خلال الدفع بهم نحو رشق القوات العمومية بالحجارة وإضرام النيران في مؤسسات عمومية من مقاطعات وعمالات، إلى جانب الاعتداء على الممتلكات الخاصة واستهداف الأبناك والمحلات التجارية بهدف نهب محتوياتها، في سلوك إجرامي رهيب يهدد الأمن والاستقرار بالبلاد.
ولعل من بين أبرز مظاهر الانحراف الخطير، هو إحداث آلاف الصفحات الرقمية المشبوهة لمحاولة تأجيج الوضع الاجتماعي عبر نشر مقاطع فيديو مفبركة وترويج كم هائل من المغالطات والمعلومات المضللة، قصد التحريض على العصيان المدني والدفع بالمتظاهرين الشباب نحو تنفيذ عمليات إرهابية، تستهدف مؤسسات أمنية وعسكرية، كما حدث ليلة فاتح أكتوبر 2025، حيث كشف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمدينة أكادير خلال ندوة صحافية عن حقائق صادمة، تتعلق بأحداث العنف والتخريب التي استهدفت مركز الدرك الملكي بالقليعة في سياق موجة الاحتجاجات التي عاشتها جهة سوس، موضحا كيف أن جحافل من المتظاهرين معظمهم من القاصرين مدججين بالأسلحة البيضاء والحجارة، قاموا بتكسير واجهات المحلات التجارية وألحقوا أضرارا جسيمة بعدد من السيارات وحافلة للنقل العمومي وقطع الطريق بحاويات النفايات، لكن الأخطر من كل ذلك هو محاولة اقتحام مركز الدرك الملكي للاستيلاء على الذخيرة الحية من مستودع الأسلحة هناك.
فمن خلال حجم الأضرار المادية البليغة والاعتقالات الواسعة التي ترتبت عن احتجاجات “جيل Z” في الأيام الأولى من انطلاقها، يتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أن الأمر لا يتعلق فقط بمطالب اجتماعية عادلة وقابلة للتحقق متى ما توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لدي مدبري الشأن العام، بل هناك جهات خفية داخل المغرب وخارجه تقف خلف تأجيج الأوضاع، وتسعى بكل الوسائل المتاحة إلى محاولة زعزعة أمن واستقرار البلاد، مما يستدعي فتح تحقيق قضائي شامل ونزيه للكشف عن هوية جميع المتورطين، بما من شأنه ضمان حماية حقوق المواطنين وخاصة المتضررين، ويبعث برسائل اطمئنان للمستثمرين، لأن هناك بونا شاسعا بين الاحتجاج السلمي الذي يكفله الدستور والقانون، وبين أعمال العنف والتخريب التي تهدد الأمن والسلم في المجتمع.
وفي الوقت الذي ندعو فيه شباب “جيل Z” إلى التعقل والالتزام بالطابع السلمي للاحتجاجات، وعدم فسح المجال أمام المخربين للتسلل إلى وقفاتهم الاحتجاجية وتحريض المتظاهرين على العنف والتخريب، فإننا ندعو أيضا السؤولين إلى استخلاص العبرة مما حدث، لاسيما أنه لا يمكن لأي كان أن ينكر بأن جل المطالب مشروعة، في ظل تردي الخدمات الاجتماعية في قطاعي الصحة والتعليم، غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتفشي الفساد واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية…