تدريس اللغة العربية لأبناء الجالية في خبر كان‎

خبر استفزني كثيراً وأنا الشغوف بمتابعة ما يجري في الساحة الأوروبية، والتي تتواجد فيها جالية مغربية كبيرة. الخبر له علاقة بكل ما يرتبط بمغاربة العالم، والتعليق على المواضيع الحساسة التي تمس هوية الأجيال المزدادة في الدول الأوروبية من أصول مغاربية.

سأقتصر اليوم على بلجيكا، عاصمة الاتحاد الأوروبي، إذ إن ما يجري في هذا البلد له انعكاس قد يكون سلبياً أو إيجابياً على باقي الدول الأوروبية الأخرى التي تعرف بدورها وجود جالية مغربية. وإذا كان سلبياً فسوف ينعكس أثره على باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

الأمر هذه المرة لا يتعلق بما يجري في غزة العزة، وإنما بقرار سحب البعثة الثقافية المكلفة بتدريس اللغة العربية، وهو قرار اتخذته مؤسسة الحسن الثاني، المكلفة بإرسال المعلمين إلى مختلف الدول الأوروبية.

ونطرح هنا تساؤلات عدة: هل القرار المتخذ كان تحت ضغط من السلطات البلجيكية؟ وما هي أسبابه الحقيقية؟ أم أن هناك أسباباً خفية لا نعلمها؟ كيفما كان السبب، فإن سحب أعضاء البعثة جملة له نتائج سلبية على مستقبل الأجيال المزدادة في بلجيكا، ويعني بشكل واضح إلغاء تدريس اللغة العربية في المدارس البلجيكية.

قرار تعتبره الجالية المغربية، التي تشكل الأغلبية في المجتمع البلجيكي، مسا مباشراً بالهوية المغربية. ويبدو أن قرار سحب أعضاء البعثة جملة من طرف مؤسسة الحسن الثاني كان لأسباب موضوعية، لأن العلاقات المغربية البلجيكية في ظل الحكومة الحالية ومكوناتها السياسية اتسمت بالإيجابية، لاسيما وأنها دعمت مغربية الصحراء.

لا ندري إذن الأسباب الخفية وراء سحب أعضاء البعثة من طرف مؤسسة الحسن الثاني، ولا نعلم دوافع القرار. وإذا كان القرار بضغط من الحكومة البلجيكية، فإننا نريد معرفة الأسباب. ثم ألا تتحمل الجالية المغربية المسؤولية الكاملة في اتخاذ المؤسسة لهذا القرار؟

وكيفما كانت الجهة المسؤولة عن سحب أعضاء البعثة الثقافية، فإن المتضرر هم أبناء مغاربة العالم. ثم ما موقع الناشطين السياسيين من أصول مغربية أو مغاربية في حماية الحقوق والدفاع عن المكتسبات التي تحققت منذ سنوات في هذا البلد؟

هنا تطرح أسئلة أخرى: ما أسباب اتخاذ قرار إلغاء تدريس اللغة العربية في المدارس البلجيكية؟ وما دوافعه الحقيقية؟ مع العلم أن بين الحكومة المغربية والبلجيكية اتفاقيات تضمن حماية حقوق الجالية المغربية، ومن بينها الحفاظ على الهوية الثقافية لمغاربة بلجيكا.

ويتجلى ذلك من خلال تأسيس المؤسسات الإسلامية، بما فيها المساجد، التي يسهر العاملون بها على تدريس اللغة العربية للأجيال المزدادة بهذا البلد، ومن خلالها يحافظون على هويتهم الإسلامية ولغة القرآن.

أعتقد أن قرار سحب أعضاء البعثة الثقافية جملة يعني عملياً إلغاء اللغة العربية في المدارس الرسمية، وهو ما يعتبر تهديداً لهوية جيل بأكمله، بل محاولة لطمس الهوية المغربية من وجهة نظر المتابعين. كما أنه تراجع خطير وتحامل بالدرجة الأولى على الإسلام، الذي هو دين المغاربة.

إن ما يقع في بلجيكا وغيرها من البلدان الأوروبية من تضييق على الإسلام وعلى المؤسسات الإسلامية والمساجد يؤجج الصراع هناك. وإلغاء تدريس اللغة العربية في المدارس البلجيكية سيدفع الجالية المغربية والعربية عموماً إلى تحمل كامل المسؤولية في معالجة الأزمة، من خلال تنظيم تدريس اللغة العربية خارج المدارس الرسمية.

لكن هذا يشكل تحدياً كبيراً للجاليات العربية وكذلك للدولة البلجيكية، لأنه يطرح إشكالاً تربوياً خطيراً، إذ سيتولى مسؤولية تدريس العربية أشخاص يفتقدون للتكوين البيداغوجي والتربوي، ما يشكل أكبر تحدٍ للأجيال المزدادة ببلجيكا وبالغرب عموماً.

تبقى الإشارة في الأخير للتنويه بالمجهود الكبير الذي بذلته مؤسسة الحسن الثاني منذ سنوات في الحفاظ على هوية وثقافة الأجيال المغربية بالخارج، ودينهم، في مجتمع يواجهون فيه تحديات كبيرة.

لا أرغب في إصدار موقف سلبي من قرار سحب أعضاء البعثة جملة، لأني لا أملك المعطيات الكاملة المتعلقة بالملف. لكن الذي يجب أن ننوه به هو أن مؤسسة الحسن الثاني تقوم بعمل كبير للحفاظ على هوية ودين الأجيال المغربية، ليس فقط في بلجيكا، وإنما أيضاً في باقي الدول الأوروبية. وهذه شهادة للتاريخ.

كما أنني أنتهز الفرصة للتنويه بالمجهود الكبير الذي يقوم به الكاتب العام لمؤسسة الحسن الثاني منذ سنوات، في دعم تدريس اللغة العربية للأطفال المغاربة في مختلف الدول الأوروبية، حتى يبقوا متمسكين بدينهم وهويتهم المغربية.