في الواجهةكتاب السفير

رسائل الزفزافي القوية وغير المشفرة!

رسائل الزفزافي القوية وغير المشفرة!

le patrice

السفير 24 – اسماعيل الحلوتي

      مرة أخرى يؤكد المغرب أنه وبفضل القيادة المستنيرة لعاهله المفدى محمد السادس، أصبح من بين البلدان الرائدة في التسامح واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وسعيه الدائم إلى محاولة تنقية الأجواء الداخلية. وإلا ما كانت المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج لتقدم على السماح للسجين “ناصر الزفزافي” قائد “حراك الريف” المدان بعشرين سنة، بمغادرة زنزانته في السجن المحلي بطنجة يوم الخميس 4 شتنبر 2025 لحضور جنازة والده “أحمد الزفزافي” الذي وافته المنية عن عمر يناهز 78 سنة يوم الأربعاء 3 شتنبر 2025 بمستشفى أجدير في الحسيمة، إثر مرض عضال لم ينفع معه علاج.

      وناصر الزفزافي ليس سوى ناشط مغربي من أبناء منطقة الريف في الحسيمة تحديدا، وهو أحد أبرز قادة “حراك الريف”، اعتقل في 29 مايو 2017، وقضت هيئة  الحكم المكلفة بالنظر في ملف معتقلي أحداث الحسيمة بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في 26 يونيو 2018، بالحكم عليه رفقة ثلاثة أخرين بعشرين سنة سجنا نافذا، بعد أن وجهت لهم تهم “تدبير مؤامرة للمس بسلامة الدولة الداخلية، والمشاركة في ارتكاب جناية المس بسلامة الدولة الداخلية عن طريق التحريض بارتكاب اعتداء الغرض منه إحداث التخريب والتقتيل في أكثر من منطقة” كما وجهت لهم تهمة المشاركة في جنح  أخرى، والحال أنهم لم يقوموا سوى بالمطالبة بمشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية، وانتقدوا بقوة سياسات الحكومات المتعاقبة والسلطات العمومية، إثر مقتل بائع السمك “محسن فكري” طحنا في شاحنة نفايات، مساء يوم الجمعة 28 أكتوبر 2016.

      فعلى عكس تلك الخطب الشعبوية التي دأب بعض قادة الأحزاب السياسية على إلقائها في التجمعات الخطابية وخاصة إبان الحملات الانتخابية، من أجل دغدغة مشاعر المواطنات والمواطنين واستدرار عطفهم لكسب أصواتهم، أبى ناصر الزفزافي إلا أن يتحدث من على سطح منزل عائلته بصدق وعفوية، ونضج ومسؤولية، أمام مئات الأشخاص الذين حجوا من كل حدب وصوب لتقديم واجب العزاء له ولعائلته بسبب هذا المصاب الجلل. ليس طمعا في مقعد بمجلس النواب ولا في منصب وزاري أو رئاسة جماعة ترابية أو رئاسة مجلس جماعي أو غيره، وإنما للكشف عن مدى حبه للوطن والدفاع عن وحدته الترابية، وفي ذات الوقت تفنيد مزاعم من اتهموه ورفاقه بالنزعة الانفصالية داخل المغرب وخارجه. 

      وقد بدا واضحا أن الزفزافي لم يحضر فقط ليودع والده ذلك الوداع الأبدي ويلقي عليه نظرته الأخيرة، ولا لتحويل جنازته إلى لحظة وطنية، وإنما جاء كذلك ليضع حدا لتلك الحملات المضللة والمغرضة، التي طالما رافقت ملف “حراك الريف”، ليقضي بشكل نهائي على الاستغلال الفظيع لانفصاليي الخارج وعرابهم النظام العسكري الجزائري الحاقد والفاسد، الذي يحلم بانفصال الريف الشامخ عن المملكة المغربية…

      ففي كلمته المعبرة والمقتضبة، والحافلة بالمشاعر العميقة، قال قائد حراك الريف المدان بعشرين سنة سجنا نافذا بكل ثقة في النفس وحس وطني صادق: “ما أراه اليوم يثلج الصدر، ورسالة واضحة وصريحة على أننا نحن أبناء هذا الوطن، ولا أقصد به الريف فقط، بل أقصد كل شبر من البلاد، مهما اختلفنا ومهما كان لنا من آراء وأفكار، لكنها تصب كلها في اتجاه مصلحة الوطن أولا وأخيرا” فأي وضوح وصراحة أكثر من هكذا قول صريح وفصيح، ليؤكد من جهة مدى تمسكه ورفاقه بالثوابت الوطنية من ملكية ووحدة ترابية وغيرهما، ويؤكد من جهة ثانية للخصوم والأعداء أن الحراك الشعبي بمنطقة الريف لم يكن يوما دعوة للانفصال أو مطالب سياسية، أكثر مما كان مجرد تعبير عن مطالب اقتصادية واجتماعية…؟

      ولم يقف الزفزافي عند هذا الحد، بل زاد قائلا  بأن “لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن”، واعترافا بالجميل لم يفته توجيه الثناء للمندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج وجميع أطرها، حيث قال بلا تردد: “أنا لست من الذين يبخسون الناس أشياءهم، وكلمة لا بد من أن أقولها للتاريخ، وهي أنني ما كان لي أن أكون اليوم بينكم لولا فضل الله تعالى، والمجهود الذي بذلته إدارة السجون ممثلة في شخص مندوب السجون الذي قام بمجهود كبير” وأضاف موضحا “أنا أعرف جيدا ما أقول، لأن الأمور ليست بالسهولة التي يمكن أن يتصورها الإنسان حتى تصل  إلى مدينة الحسيمة”

      والأهم من ذلك أن الزفزافي حرص ليس فقط على الإشادة بوالده الراحل حين قال: “هذا الرجل نذر حياته في سبيل الوطن، وحينما أقول الوطن، أقصد به صحراءه وجنوبه، شرقه وشماله وغربه”، بل إنه ختم رسائله القوية بالقول “نحن مستعدون لنقدم دماءنا على كل شبر من هذا الوطن، عاش الوطن، وعاش المغرب” مما يؤكد أن ولاءه للوطن أقوى من أي شيء آخر، ولم يكن ولن يكون أبدا في يوم ما موضع شك أو مزايدات.

      إن ما تضمنته كلمة ناصر الزفزافي من رسائل قوية ومباشرة، يؤكد أن “حراك الريف” مجرد حراك شعبي كأي حراك آخر في مختلف جهات المملكة، وأن قادته لم يكونوا أبدا دعاة انفصال أو متمردين على الدولة، كما يروج لذلك بعض الخونة وأعداء الوطن مثل كابرانات عسكر الجزائر. وهو ما يستدعي العمل على استغلال هذه الطروف الإنسانية في اتجاه طي هذا الملف الحقوقي بصفة نهائية، من خلال صدور عفو ملكي كريم في أقرب الآجال.

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى