تطاحنات انتخابية بأهداف بسط النفوذ.. واستغلال المسؤوليات بإقليم ابن سليمان !!
* بقلم : د. المصطفى ساجد
المتتبع للحملات الانتخابية بجميع جماعات و دوائر المغرب يلاحظ البؤس السياسي والمآل الرخيص والتردي الذي آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. بحيث يلاحظ غياب البرامج الانتخابية التي تنتج إمكانية التواصل والتداول في الخطاب السياسي، وهذا ناجم عن غياب التأطير من لدن الأحزاب السياسية والتي تمنح التزكيات لكل من هب ودب بضعة أيام وفي آخر ساعات وضع الترشيحات.
غير أن الأمور تزداد تفاقما وبؤسا بالمدن الصغرى المهمشة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا كحال إقليم ابن سليمان.
وهو الإقليم الذي رغم موقعه الجغرافي المهم ومؤهلاته وخيراته الطبيعية، الفلاحية، الساحلية، والسياحية والغابوية… فهو يعاني ويعيش وضعية كارثية جراء سياسات عمومية تعتمد النهب واستغلال المسؤوليات بالجماعات الترابية. عبر التواطؤات المشبوهة أحيانا لسلطات الوصاية، التي تركت الأمور على عواهنها وترك خيرات وموارد الإقليم و سواحله وبيئته وحتى ساكنته رهينة أيدي انتهازية لا هم لها سوى الربح ومراكمات الأموال على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبعدم الاهتمام بجلب الاستثمارات بهدف خلق فرص الشغل لفائدة شباب الإقليم وامتصاص ظاهرة العطالة. فظاهرة البطالة، وعدم الاهتمام بالاستثمارات المنتجة، هي من العوامل التي تفسر ترييف مدينة ابن سليمان وتحويل أحيائها إلى أسواق يومية ومنازل هذه الأحياء الى محلات لمزاولة الحرف والأنشطة التجارية، ضدا على رونق المدينة وعلى الطمأنينة وعلى السير والجولان وحتى على صحة المواطنين في حالة مزاولة حرف المفروض أن تكون بالمناطق الصناعية (الميكانيك – التلحيم…الخ)
إذ تتجلى المعاناة كذلك في غياب النقل العمومي الذي يربط ما بين جماعات الإقليم وفرض احتكاره من طرف شركة معينة تفرض أثمنتها و أسطولها المهترئ وتهدد حياة الركاب رغم انصرام أجل العقد الموقع في هذا الإطار.
زد على ذلك معاناة الطلبة ومحنتهم في النقل وغياب مؤسسات جامعية تستجيب لحاجياتهم و تطلعاتهم وطموحاتهم لاستكمال دراساتهم بالتعليم العالي وإعفائهم من عذاب التنقل اليومي، خاصة وأنه لا وجود بتاتا لأحياء ومطاعم جامعية بمدينة المحمدية لتغذيتهم وإيوائهم.
والمؤسف أن الإقليم ضحية لتواطؤات المصلحية بين ذوي التدبير السياسي والإداري والبورجوازية الطفيلية المتوحشة التي لا هم لها سوى الاغتناء الفاحش في الاستثمارات العقارية والسكنية. ومقالع الرمال التي أصبحت تهدد المجال البيئي والزراعي، وصحة السكان ووضعهم تحت طائلة الأمراض الصدرية وإكراههم و دفعهم إلى الهجرة والتخلي عن أراضيهم بأبخس الأثمان.
وبصدد الغولف بمدينة ابن سليمان، فالمثير أنه تحول الى تجزئة على مساحة عشرات الهكتارات التي فوتت في ظروف غامضة بأثمنة تقريبا مجانية، وأنه رغم أن المشروع يدر أموالا طائلة فإنه ينطبق عليه المثل الشعبي “زيادة الشحمة في ظهر المعلوف” حيث أنه استفاد صاحب المشروع من إعفاء ضريبي يناهز 900 مليون سنتيم. مما يطرح العديد من علامات الاستفهام بشأنها، وحرمان الجماعة من مداخيل هي في أمس الحاجة إليها.
ومن بين المشاكل والقضايا العويصة التي بدأت تطرح نفسها في السنوات الأخيرة هو مشكل الاستثمارات العقارية والسكنية بساحل جماعة المنصورية، وما كبدته الوداديات المشبوهة للمنخرطين والزبناء من مآسي اجتماعية ونصب واحتيال، بحيث تطرح العديد من علامات الاستفهام حول حدود مسؤوليات الجماعة الترابية المحلية والسلطات الإقليمية، التي كان من المفروض عليها التشديد في مسألة منح الترخيصات، خاصة أنه تم تشويه المجال البحري والساحل بهذه التجزئات التي أصبحت تنبت كالفطر. الساحل بإقليم ابن سليمان أضحى “كعكة قابلة للاقتسام” ولاستغلاله واستفادة ذوي المسؤوليات بالجماعات الترابية والسلطات الإقليمية، كحال تأشير عامل سابق للإقليم (م.ع) على توزيع بقع أرضية لرؤساء بمصالح العمالة وبمصالح عمومية أخرى، بالملك العمومي بالمنطقة المتواجدة ما بين بوزنيقة الجنوبي وشاطئ الداهومي.
أضحت هناك علاقة وثيقة بين الرشوة والاستثمارات والتجزئات السكنية وفي أنشطة العقار، التي تناسلت في السنوات الأخيرة كأنشطة مدرة للربح الفاحش والسريع، مقارنة مع الأنشطة التجارية والصناعية والفلاحية. فالمراهنة على الربح والاغتناء هو الذي يدفع الى توسيع المدار الحضري، باستغلال المسؤوليات والعمل على إقرار ذلك بسبق في المعلومة Délit d’initié، وبالتالي التخلي عن النشاط الزراعي والفلاحي وتحويل الأراضي لاستثمارات عقارية سكنية.
رغم ما عاشه هذا الإقليم من كوارث وتواطؤات ونهب بين الجماعات الترابية وكراكيزها المصنوعة والسلطات لازال، للأسف، تحت رحمة هؤلاء النماذج ويزداد تقهقر وتراجعا على كافة الأصعدة.
فالمتتبع للحملات الانتخابية بجماعات ودوائر الإقليم يقف على نفس الممارسات ومهازلها عبر تزكية وترشيح عديمي الأهلية والخبرة والتكوين السياسي ومحترفي الانتخابات الذين استغلوا المسؤوليات كمنتخبين لسنوات عديدة دون أن يلتفتوا الى تنمية الإقليم والمدينة، وأصبح المقعد الانتخابي وسيلة فقط للاسترزاق والاغتناء. يجب الإشارة أنه لم يسبق لبرلمانيي دائرة إقليم ابن سليمان أن تطرقوا للمشاكل العديدة التي تتخبط فيها ساكنة جماعات الإقليم أو أن طرحوا أسئلة بالبرلمان تهم ذلك.
فمتى سيتم توقيف النزيف ومنح المدينة والإقليم فرصة للإقلاع الاقتصادي والتنموي ؟ ولماذا تم إقبار تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي وقف على مجموعة من الاختلالات وتبذير المال العام والذي اشار الى بعض ذوي المسؤوليات بالاقليم، كحال من زاول مهمة رئيس مصلحة (ر.ط) بعمالة بنسليمان لمدة تناهز ثلاثة عقود والذي كان له نفوذ التأثير على تدبير شؤون الاقليم؟ وبناء عليه فينبغي على النخبة المحلية الاضطلاع بدورها لتشكيل قوى ضاغطة عوض التخندق في جمعيات وتعاونيات واستغلال مشاريعها، كما هو الشأن فيما يخص مآل وتوظيف تمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحصر ممارستها في الأنشطة المناسباتية ومواكبة تدبير عمومي يزكي السياسة المتبعة.
أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية *